اسوار بغداد .. الحلقة الأولى - الموصل ...  في دائرة النار .. عمار البغدادي


الحلقة الاولى

الموصل ... في دائرة النار ..

- متى بدأت التلويح بورقة سقوط الموصل في حكومة كان قادتها العسكريون لا يتحدثون كثيراً عن خطر داعش في الموصل...؟
·       منذ بدايات 2011 وأنا ادرس بعناية فائقة الوضع الأمني الاقتصادي وانتشار ظاهرة الفساد في كافة مؤسسات الدولة العراقية وبالخصوص الفساد الذي استشرى عميقاً في الأجهزة الأمنية.
 ولكوني وزير داخلية سابق امتلك رؤية إزاء ملابسات الأوضاع الأمنية في          الموصل .. إذ كنت التقي العديد من القيادات العسكرية والأمنية واستمع منهم إلى تقارير ووجهات نظر وطروحات كانت تلتقي ومجمل القناعات التي توافرت لدي إزاء الأوضاع الأمنية الملتبسة في الموصل... 
واستمرت اللقاءات بهؤلاء الضباط الذين كانوا يلتقون بي كوني نائباً في البرلمان ورئيساً لكتلة  وعضواً قيادياً في تنظيم مشارك في الحياة السياسية.
في أواسط 2013 اكتملت الصورة في ذهني وبدأت سلسلة من اللقاءات التلفزيونية أشرت فيها على الخلل وعلى فداحة الخطب والأهم التأشير على نوع الفساد الذي طغى وتجبر وهيمن بقوة على مفاصل المؤسسة العسكرية.
إن ذهابي إلى المقابلات التلفزيونية كان يجري على قاعدة " لقد اسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي" إذ كان  السياسيون وأصحاب القرار في آذانهم وقرٌ ولا يحبذون النقد المباشر بل لا يريدون سماع كلمة فيها خدش في الأداء الأمني لإعتقادهم انه خدش شخصي!
في حين كنت اعتقد أنني كلما أغلظت في القول وجاهرت بالاعتراض التلفزيوني والنيابي والسياسي المباشر كان التصويب الأمني ابلغ لكنني اكتشفت ان قوة الاعتراض لاتتناسب وقدرة الآخر في الاستماع لوجهة النظر الموازية!.
لهذا تجمعت كل هذه الأسئلة والانهيارات والفساد في المؤسسة الأمنية وضعف رقابة صانع القرار السياسي وغياب الرؤية لتشكيل اللوحة الأولى لسقوط الموصل أما كرة الثلج التي تدحرجت عشية الانهيار فلم يعد بإستطاعة أحد أن يمنعها.

-        طالعت بعض ما كتبت في صفحتك الشخصية في أكتوبر 2013 وما بعدها إن الموصل والانبار في دائرة النار.. أي نارٍ تقصد؟

·      كانت الصورة واضحة لدي ولم يستمع أصحاب القرار  لمضمون امني مهم في اطار مداخلة كنت خرجت بها في احد الاجتماعات الخاصة التي ضمت رئيس الوزراء وبعض رؤساء الكتل البرلمانية قلت فيها أن التوجه إلى (زماّر) و (كركوك) حيث كان الصراع محتدماً بين الحكومة والإقليم والتحشدات العسكرية التي جرت بين الجانبين هو تغيير خطير في البوصلة ومحاولة لتغييب الرؤية وتشخيص المخاطر القادمة وقلتُ في المداخلة إن الخطر  قائم وقادم من جهة (القائم).
ولم يستمع احد ... بل أن رجالاً كباراً في الحكومة رفضوا إدراجها في (الخلاصة) التي عادة ما تكتب بعد كل لقاء يجمع رئيس الحكومة بقادة الكتل البرلمانية.
لقد شعرت أن هنالك إصراراً على حرف البوصلة وإصراراً مماثلاً على دفع البوصلة ولو في الإعلام بإتجاه الكورد في زمار وكركوك وليست في الموصل والانبار.
كان ذلك الخطأ الأكبر والستراتيجي الذي أوصلنا إلى تحويل زمار مستودع أسلحة ونساء مختطفات والموصل عاصمة الخلافة البغدادية.

-        قلت في صفحتك الشخصية في التواصل الاجتماعي 2013 وهي صفحة عادةً ما تعبر عن مواقفك السياسية إن الحدباء تعيش ظرفاً أمنياً استثنائياً يطوقها المسلحون الإرهابيون غرباً وجنوباً والجهد الاستخباري الحالي لا يوازي إمكانات الإرهاب وما يحصل يومياً من عمليات تستهدف أهلنا في تلعفر والجانب الأيمن من الموصل والشبك دليل على إن قواتنا فقدت المبادرة  والمبادءة.

-        ماذا كنت تقصد بعبارة المبادرة والمبادءة؟

·      كنت الحظ حركة القيادات العسكرية العليا في بغداد وانتقالها بين الانبار والموصل كما القيادات الميدانية في الموصل والانبار تصرف وقتها وتخطيطها بكيفية جني الأموال من خلال إبرام العقود الخاسرة وعمليات ابتزاز المواطنين فضلاً عن تفشي ظاهرة الفضائيين لذلك فإن من يدافع عن أرضه وعرضه لا يسرق ولا يسلب غلّة أرضه ولا يعتدي على الأعراض ..
كيف أتوقع من ضابط غطس إلى أذنيه بالفساد المالي والأخلاقي أن يحرر شبراً واحداً من داعش قبل سقوطها المريع في 10/6 وقد أشرت في أكتوبر 2013 إن المنطقة الغربية من الموصل محتلة بالكامل من قبل داعش وكذلك جنوب الموصل لكن القيادات العسكرية لم تتحدث عن احتلال جزئي لهذا المكان... هذا دليل على فساد  والفساد الأكبر السكوت على خطيئة الاحتلال.

-        تقول في 25 أكتوبر 2013 نجح داعش في ربط الجزيرة جنوب الموصل بجزيرة الانبار من خلال قواعد متنقلة ومعسكرات غير ثابتة..
كيف أمكن لداعش أن يمتد في كل هذه المساحات مع وجود عشرات الآلاف من الجنود والشرطة الاتحادية والمحلية وإمكانات عسكرية هائلة موجودة في معسكر الغزلاني كيف أمكن لمنظمة سرية أن تسقط دولة في مدينة؟
·      حسب التقارير التي أمتلكها فإن عدد الجنود وأفراد الشرطة وصل الى 60 ألف عنصر في حين أن الموجود الفعلي في الموصل ساعة انقضاض الإرهاب الداعشي على المدينة لا يتجاوز إلـ 10 آلاف عنصر وهم في حالة نفسية لا يستطيعون  معها رد عدوان أو الدفاع عن النفس.
وفي الوقت الذي كانت فيه داعش تمتلك العقيدة السياسية والدينية في الدفاع عن دولتها المزعومة لم يكن لدينا عقيدة سياسية فكيف يمكن الوقوف في مواجهته بأفراد يفتقدون تلك العقيدة في حين انغمس قادتهم في الفساد...؟
لعلني استحضر هنا الحكمة القائلة إن فاقد الشيء لا يعطيه!.
الظاهرة الأهم في هذا الإطار إن أهالي الموصل (جنوداً وضباطاً ومراتب وشرطة محلية) تركوا مواقعهم العسكرية بفعل فتاوى مشايخ في الموصل تابعين لتنظيم داعش وإلحاح من قبل رؤساء العشائر وكان الأمر لا يخلو من تنسيق..!
وقد اخبرني احد المطلعين على واقع الموصل قبل سقوطها أن أهالي نينوى لم يكونوا على استعداد للدفاع عن الدولة بفعل ارتكابات ضباطها اللاانسانية فاندفعوا نحو التنسيق مع تنظيم الدولة اعتقادا خاطئا منهم ان التنظيم قد يكون المخلص!.
إن السجين لا يدافع عن سجانه!..
والمظلوم لن يقف إلى جانب من ظلمه وهذا ما قلته في اجتماع ضمني وقيادات سياسية عربية عليا عندما كنت أقيم في بيروت  ودمشق في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي في أيام المعارضة العراقية.
فقد قلت لهذا الجمع من السياسيين العرب ان الشعب العراقي سوف لن يقف مع صدام حسين (جلاده) في المعركة التي انفتحت الآن بين النظام العراقي وأمريكا زعيمة التحالف الدولي.
فالسجين لن يدافع عن سجانه والمظلوم عن جلاده والمذبوح عن سيافه.

-        قلت في 25 أكتوبر 2013 في نفس البيان الذي أصدرته إن من يفشل في حل مشكلة السكن ومكافحة الفساد لن ينجح في مواجهة القاعدة ومن ينشغل بإدارة الأزمات سيرمي الوطن في دائرة النار..
السؤال ... هل كنت تشير إلى يد ما هي التي تحرك التطورات السياسية والأمنية في البلاد ومن هم بالتحديد من وضعوا العراق في دائرة النار؟
·      أتمنى أن تعفيني من هذا السؤال .. فهو سؤال إشكالي شائك وقد يجرني للحديث عن أسرار لا أحبذ البوح بها وقد آليت على نفسي التحفظ عليها لما فيها من ألم ومرارة..!

·      لن ادعك هذه المرة تفلت من الإجابة كما فعلت ذلك مراراً وتكراراً في المقابلات التلفزيونية ففي هذا كتاب (أسوار بغداد) لا يوجد سؤال بلا إجابة.
·       في عام 2010 استقبلت احد الدبلوماسيين الكبار (من الدول الخمس العظمى) وكان في طريقه لوداعي بمناسبة انتهاء مهام عمله في العراق.

بادرته في نهاية اللقاء بالقول .. كيف تم اختيار أشخاص محددين في الدولة العراقية لإدارة البلاد؟.
رفض الإجابة مكتفياً بابتسامة وكان ينظر إلى زوايا الغرفة في إشارة إلى الخشية من وجود أجهزة لاقطة !.
طلبت منه ان نخرج إلى فناء المكان وطالبته بالمضي في الإجابة على سؤالي وقلت له عليك الآن أن تجيبني بصراحة..!
قال بشرط أن لا تذكر اسمي والدولة التي انتمي لها إذا أردت  أن تتحدث في يوم من الأيام عن حكاية هؤلاء الأشخاص المحددين ..! فأعطيته عهداً بذلك ووعداً بعدم البوح باسمه واسم دولته  وهائنذا افعل.
سألته عن شخص محدد فقال لي .. تم اختياره بعناية فائقة.
فقلت له.. هل إن اختياره مرتبط بمشروع تدمير العراق؟.
فقال لي : نعم !
والآن اكتفي بما قاله الدبلوماسي ولا تسأل بما ليس لك به علم!.

تحرير المقال
عن الكاتب
مقالات مشابهة

ليست هناك تعليقات:

أو يمكنكم الإتصال بنا من خلال النموذج التالي

الاسم بريد إلكتروني* رسالة*

التعليقات

تعليقات الموقعفيس بوك