نظرة على الشرق الاوسط..
الحلقة الثانية..


اصبحت تركيا لاعباً مهماً في مشروع الإنقسام العربي، وساعدت على نقل الإرهابيين الى سوريا لتخليص الغرب منهم، وإستغلت وضع العراق؛  ودخلت إليه بحجة الدفاع عن الأقليات. تستخدم تركيا "القضية الفلسطينية" كورقة لأجل مصالحها مع إسرائيل، يتسع التدخل التركي كل يوم في دول المنطقة؛ ويتنامى مع أحلام العودة إلى الإمبراطورية العثمانية من جديد، وهو ما يروج له الحزب الحاكم في تركيا منذ سنوات، وتعمل عليها وسائل الإعلام التركية، وتداعب من خلاله حلم الإمبراطورية لدى المواطن التركي، تحت شعار "خلافة المسلمين" والتي تلقى صدى في بعض الدول العربية أيضاً .  سيشكل الدور التركي، ونحن مقبلين على صراع عالمي جديد، علامة فارقة في طبيعة الحدود المشتركة بين الدول، وخصوصاً "العراق، سوريا وإيران ودول أخرى" أما إقتصادياً : فحرب الغاز ليست ببعيدة، ونحن نشهد صراع "تركي - مصري - يوناني" على حقول الغاز المشتركة بين هذه البلدان . أما أمنياً: فلا تكف "المخابرات التركية" عن تجنيد ورعاية مجاميع مسلحة؛ بمختلف أشكالها ومسمياتها، لتكون ورقة ضغط في عملها السياسي، تحقق من خلالها مكاسب أكثر.  الدراسة التي نقدمها توضح الكثير من خبايا المشروع التركي : سنتحدث اليوم كما وعدتكم في"الجزء الثاني" عن تركيا؛ تلك الدولة التي عرفتها على أنها تمثل "الإسلام الحضاري والدولة المدنية" ما بعد الثمانينات، أو  أكاد أقول مطلع التسعينات، متناسين جميعاً "السوط التاريخي" في الماضي القريب وإنضمام تركيا إلى المعسكر الغربي،  وإنحيازها له؛ قاصدةً هدفاً مهماً هو قبولها في النادي المسيحي (الإتحاد الأوربي) وبلا شك، كان هذا الهدف له تذللات وإنحناءات،  قدمتها الجارة المسلمة للعرب، على حسابهم وحساب ثقافتها إلى الغرب، متناسيةً بأن جلوسها على الكرسي بطريقة مقلوبة، لا يجعل الآخرين ينظرون إلى قوة شخصيتها؛ بقدر ما ينظرون إلى إهتزاز "الأفندم" وخضوعه إلى "المستر" دون تحقيق أي نتيجة  تذكر، ومنها دعونا ننطلق بالتأثير التركي ومعرفة نتائجه.  منذ ان بدئت مرحلة وصول "العدالة والتنمية" إلى سدة الحكم ٢٠٠٢ كان المتوقع منها، ان تتخذ خطوات غير الخطوات السابقة منها، على سبيل المثال : ان تتجاوز مرحلة الهرولة وراء سراب النادي المسيحي، كما انها ستحوْل جلوسها وجهاً ومقعداً نحو إتجاه المنطقة العربية والإسلامية؛  وتلعب دوراً إيجابياً ولا تعمل بطريقة البيع والشراء التي إعتادت عليها سابقاً على حساب المنطقة، وليس خافياً، ان تركيا منذ "الربيع العربي" عام ٢٠١١ والى وقتٍ قريب، بذلت كل ما لديها من أجل التمدد على المنطقة؛ من خلال جسر "تنظيم الإخوان" وخلق إهتزاز داخل المنظومة المجتمعية والسياسية لتلك البلدان؛ مثل : "مصر، تونس، سوريا وغيرها" وعندما إتضح بل كشف المستور من وراء ذلك الشعار، "مناصرة الشعوب العربية" ذهبت إلى الخطوة الثانية؛ وهي : "التوغل" كما يحدث في سوريا وليبيا اليوم، من خلال التواجد العسكري الرسمي في شمال شرق سوريا،  والمليشاوي في طرابلس مع حكومة الوفاق، ومن هنا نقول ان تركيا ساعدت بنقل المعركة إلى المشرق والشرق الأوسط، فقد إستغلت ظروف سوريا؛ متدخلةً بشكلٍ سافر، بل قدمت الدعم اللوجستي لكل من هبّ ودبْ من المخابرات العالمية والإرهابين؛ للدخول إلى سوريا، بعد ان صدرتهم دولهم للتخلص منهم، ثم دخلت تركيا "بازار البيع والشراء" فإقتربت من روسيا وإيران؛ مقابل البرود "الأمريكي والأوربي" إتجاهها متغازلةً مع خصومها "الصين وروسيا" متمنياً ان تحصل على مكاسباً من ذلك، وللحقيقة نعم. حصدت تركيا الكثير من المكاسب، منها ما يتعلق بالعدو التأريخي "حزب العمال الكردستاني" في سوريا، فقد تم السماح لها بإجتياحه أو تطويقه، كما حصلت على صواريخ ( S - 400) والتي لم تعطيها روسيا لسوريا؛ كما تدعي بأنها "الحليف الإستراتيجي" لروسيا وبالتأكيد فقد باعت تركيا شفرة تلك الصواريخ للغرب، كذلك إستغلت وضع العراق ودخلت إلى بعشيقة، بذريعة الدفاع عن الأقليات من تنظيم داعش، كما تعاقدت مع "الروس، الصين وإيران" بشراكاتٍ مختلفة؛ لم تحصل من قبل، كما ضمنت دوراً مهماً مع إسرائيل للعب بالورقة الفلسطينية الذائبة في مياه البحر، والتي تحولت على أرض الواقع، شكلاً للفلسطينيين ومضموناً للإسرائيلين؛ كما تدخلت وبشكلٍ صارخ في ليبيا،  وصدّرت كعادتها آلاف الإرهابيين إلى هناك، ومنها يجب ان يعلم الجميع لماذا لعبت تركيا دوراً سلبياً إتجاه المنطقة، ولماذا ساهمت بنقل المعركة لهذه الدول؟ أولاً: تركيا هي الدولة التي وظّفها الغرب وجعلها تهرول وراء ناديه المسيحي. ثانياً: بعد فشل محاولاتها الأيدولوجية إتجاه التمدد في العالم العربي، ذهبت إلى عنصر التوغل لكي تفرض الأمر الواقع على المنطقة. ثالثاً: تعرف تركيا تصدير مشاكلها الإجتماعية والسياسية، وإشغال المجتمع التركي بالحروب الخارجية، ومخاطر تلك الدول على تركيا، هو أفضل وسيلة لتأجيل المشاكل.  رابعاً: تعودت الحكومات التركية على (البيع والشراء) في قضايا المنطقة، وتحت ذرائع شتى.  خامساً: غياب نجم الدور التركي بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي، جعلها تبحث عن دور تلفت به الأضواء حول أهميتها؛ وعندما فشلت، ذهبت للتلويح بالتحالف مع روسيا والصين،  وتغيرت موازين القوى.  سادساً: نجحت بكسب الجانب الإيراني، وان تمنح دوراً مهماً بقضية الحل في سوريا، من خلال مباحثات "سوتشي وجنيف".  سابعاً: أصبحت لاعباً مهماً، في الإنقسام "العربي - العربي" كما يحصل بين "المملكة العربية السعودية، الإمارات، مصر والبحرين من جهة، وبين قطر من جهة أخرى، بدأت تركيا تتحدث عن عودة الموصل وكركوك،  تحت ذرائع عدة، نعم إستثمرت تركيا ظروف المنطقة وعلى حساب المنطقة لصالحها، وقدمت خدمات لغيرها، لكنها تناست انها تحولت من دولة عظمى في المنطقة إلى دولة خدمات إقليمية، متى ما يُسحب البساط من تحت أقدامها؛ بل هي ورقة سريعة السقوط بسبب مشاركتها وتورطها بفتح أبواب الطوائف والأثنيات في المنطقة؛ تلك النار التي لا تنطفئ؛  وهناك مشاعل نيران يمتلكها أكثر من طرف، وهذه جهنم، ان تم تحريكها في تركيا، فهي صاحبة العدوان مع جيرانها بإمتياز، فقل لمن يرمي الحجر، "تذكر ان شبابيك بيتك من زجاج".
باقر الزبيدي
٢٦ أيار ٢٠٢٠
تحرير المقال
عن الكاتب
مقالات مشابهة

ليست هناك تعليقات:

أو يمكنكم الإتصال بنا من خلال النموذج التالي

الاسم بريد إلكتروني* رسالة*

التعليقات

تعليقات الموقعفيس بوك