دراسة في مشروع تنفيذ المشاريع بأسلوب التمويل بالدفع الآجل في 26 / 6 / 2012
دراسة في مشروع تنفيذ المشاريع بأسلوب التمويل بالدفع الآجل

أولاً ـ لدراسة هذا الموضوع لابد من استعراض التجربة المريرة التي تمت في منتصف الثمانينات من القرن الماضي عندما أوعز النظام السابق إلى الوزارات والشركات العامة والقطاع الخاص البحث والتعاقد لتوريد السلع
والخدمات وتنفيذ المشاريع مع الشركات الأجنبية بأسلوب التمويل بالدفع الآجل على أن يتم التعاقد مع هذه الشركات ويتم الدفع لها بعد سنتين من تاريخ التجهيز أو التنفيذ وتقوم الجهات العراقية بتسديد أقيامها بالدينار العراقي إلى المصارف العراقية بسعر الصرف السائد آنذاك الدينار مقابل 3.387 دولار.
انفتحت الجهات العراقية بشكل واسع على الشركات في جميع أنحاء العالم وحسب علمنا دون مراعاة للمعايير المحلية والدولية في التعاقد وبالأخص الحصول على عروض تنافسية ووفق القياسات والمواصفات الدولية وشروط التنفيذ والأسعار وكلف التمويل وغيرها مما تحمل الاقتصاد العراقي أعباء مالية كبيرة نتيجة لكلف التمويل التي ادمجت مع أسعار السلع والخدمات وكلف تنفيذ المشاريع إضافة إلى الرداءة في التجهيز والتنفيذ.
لقد تلكأت الحكومة العراقية آنذاك في تسديد الالتزامات لعقود الدفع الآجل في تاريخ الاستحقاق نتيجة لشحة موارد العراق من العملة الأجنبية مما أدى ذلك إلى تراكم ديون كبيرة جداً على العراق وقد أضاف فرض الحصار في فترة التسعينات أعباء مالية إضافية حيث تضاعفت حجوم الديون لعدم تمكن العراق من تسديد التزاماته واحتساب فوائد تأخيرية على هذه الديون.
لولا جهود وزارة المالية والبنك المركزي العراقي التي بذلت خلال السنوات السابقة ومنذ عام 2004 وتوقيع العراق اتفاق مع نادي باريس وحصول العراق على تخفيض لديونه بموجب هذا الاتفاق بنسبة 80% وشمل هذا الاتفاق جميع ديون العراق، لولا هذا الاتفاق لاستنزفت موارد العراق الحالية في تسديد أقساط هذه الديون وفوائدها ولا يزال العراق يسعى لاستكمال اطفاء هذه الديون حيث لا زالت عدد من الدول لم يتم الاتفاق معها وفقاً لاتفاق نادي باريس وخاصة دول الخليج ولا زالت ديون كبيرة لم يجرى تسويتها بعد.

ثانياً ـ يبدو أن الحكومة العراقية تتجه لتكرار هذه التجربة من خلال تقدمها بمشروع تنفيذ المشاريع بأسلوب التمويل بالدفع الآجل كما هو واضح بدفع من هيئة الاستثمار التي فشلت حتى الآن في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتنفيذ المشاريع فشرعت للحكومة التقدم بهذا المشروع
دون أن تدرس نتائج التجربة السابقة والأعباء المالية الثقيلة التي تحملها الاقتصاد العراقي ودون أن تعي بأن العراق لا يزال غير مؤهل ائتمانياً لأن التقييم الائتماني (Credit Worthness) عالي الخطورة نتيجة للظروف التي يمر بها وخاصة الأمنية وعدم الاستقرار سياسياً مما ينعكس ذلك على كلف التمويل.
كما أن الشركات الأجنبية إضافة إلى طلبها كلف عالية لتنفيذ هذه المشاريع بهذا الأسلوب سوف تطلب ضمانات عالية للأسباب التي أوردناها أعلاه ربما العراق غير قادر على توفير هذه الضمانات لأنه لو توفرت هذه الضمانات لما لجأ العراق إلى أسلوب التمويل بالدفع الآجل وهذا ما أثبتته نتائج المفاوضات الأخيرة مع الشركات الكورية الجنوبية والاتفاق على تنفيذ عدد من المشاريع ومنها مشاريع الكهرباء بأسلوب الدفع الآجل، فقد طلبت هذه الشركات ضمانات مالية عالية لم يتمكن الجانب العراقي حسب علمنا من توفيرها لهذه الشركات مما أدى إلى تلكؤ هذه الشركات في التنفيذ.
ثالثاً ـ لم يأخذ المقترح القدرة الاستيعابية المنخفضة للاقتصاد العراقي لتنفيذ المشاريع الاستثمارية المبنية على نسب الانجاز لهذه المشاريع التي تضمنتها الموازنات الاستثمارية المتعاقبة خلال السنوات السابقة حيث أعلى ما وصلت إليه مختلف الجهات العراقية من نسب تنفيذ بين 60 - 70% (والتي تشكل 30 مليار دولار خلال الـ  5 سنوات الماضية) من إجمالي الموازنات الاستثمارية وكان الأجدر البحث عن أسباب هذا الإخفاق رغم توفر الأموال اللازمة لتغطية كلف التنفيذ قبل اللجوء إلى أسلوب الدفع الآجل في تنفيذ المشاريع.

رابعاً ـ يبدو أن مشروع قانون تنفيذ المشاريع الاستثمارية بأسلوب الدفع الآجل قد تقدمت به الحكومة إلى البرلمان بشكل متسرع بعد أن وجهت إلى الحكومة انتقادات في إجراء التعاقد مع شركات كوريا الجنوبية دون وجود آلية لذلك، واضح بأن هذا المشروع لم يخضع لدراسة دقيقة وعميقة بما يحقق التنفيذ الآمن والسريع لهذه المشاريع ويضمن حقوق العراق التي من بينها ما يلي:
1ـ لم يتضمن المشروع أحكام وآليات تنظم طلب العروض التنافسية والتعاقد وفقاً للمعايير المحلية والدولية وأسلوب التمويل وكلفة وطرق التسديد واحتساب الفوائد والضمانات المطلوبة وكيفية توفيرها واجراءات التنفيذ والتسليم بعد الانجاز وما ورد بالمشروع هو إشارة خجولة في المادة (2) من المشروع أن المشاريع تنفذ بطريقة الدفع الآجل وهذا في رأينا غير كافي ما لم تفصل جميع الآليات والإجراءات المتعلقة كما مبينة أعلاه ولا نحبذ تركها للتعليمات لأن التعليمات لا يمكن أن تأتي في أمور لا يتضمنها مشروع القانون ومن بين الآليات ما يلي:
أ ـ وجوب طلب عروض تنافسية للمشاريع الاستراتيجية من الشركات العالمية المتخصصة بتنفيذ هذه المشاريع وفقاً للمعايير المحلية والدولية.
ب ـ أن تتضمن العروض كلف التنفيذ بما في ذلك كلف التمويل وفقاً للمواصفات العالمية.
ج ـ أسلوب التسديد وفوائده وفتراته والضمانات المالية المطلوبة حتى لا تكون سبب في تلكؤ التنفيذ.
2ـ لقد تضمن المشروع بالمادة (3) سقف لمبالغ العقود بمبلغ (37) مليار دولار مع الإشارة بالمادة (1) إلى قائمة مرفقة بالمشاريع المطلوب تنفيذها وفقاً لهذا الاسلوب دون أن ترفق هذه القائمة مع المشروع كما أن ما ذكر في المادة (1) بوجود قائمة بالمشاريع يتناقض مع ما ورد بالمادة (7) من المشروع والتي تطلب من الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة اقتراح المشاريع المطلوب تنفيذها بهذا الأسلوب وهذا ما يدلل بعدم وجود قائمة بهذه المشاريع.
لذلك يتطلب دراسة هذا المشروع قبل البدء بإجراءات تشريعه على أن يتضمن التفاصيل التالية:
أ ـ المشاريع الاستثمارية والاستراتيجية المحددة المطلوب تنفيذها وفقاً لأحكام مشروع القانون وبحدود المبلغ المبين بالمادة (2) منه.
ب ـ أن يستند إدراج أي مشروع بالقائمة إلى دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع وأهميته في هذه المرحلة ومردوداته نسبة إلى تكاليفه.
ج ـ أن تقدم تبريرات كافية لأي مشروع يدرج في القائمة من حيث لم يسبق أن أدرج في الموازنات الاستثمارية ولم يبدأ بتنفيذه بسبب قصور من الجهة المنفذة للمشروع وإن المشروع يجب أن ينفذ من قبل الحكومة لأنه لا يستقطب مستثمر محلي أو أجنبي لتنفيذه من خلال الاستثمار المباشر.
3ـ تضمن المشروع في مواده (4 و5 و6) الامتيازات التي يتمتع بها المنفذين للمشروع والعاملين معهم دون وجود ذكر لمسؤوليات هؤلاء المنفذين لضمان حسن وسرعة تنفيذ المشروع وفقاً للمواصفات والأوقات المحددة وضمن الكلف المتفق عليها مع الإجراءات الواجب اتخاذها عند الاخفاق في التنفيذ.
لكل ما تقدم نرى اولا أن يبت مجلس النواب من حيث المبدأ قبول تنفيذ المشاريع الاستثمارية بأسلوب التمويل بالدفع الآجل في ضوء ما أوردناه بالفقرات أولاً وثانياً وثالثاً أعلاه وما سيترتب على ذلك من تنامي الدين العام العراقي وأعباءه على الاقتصاد العراقي الذي يعاني من الأعباء المترتبة عليه من خلال التزاماته بتسديد أقساط وفوائد الديون التي سبق وأن أجرى تسويتها مع الدول والقطاع الخاص الأجنبي والتي تمتد هذه الالتزامات إلى نهاية عام 2028 والتي تقدر
 (15 ـ 20 مليار دولار) إضافة إلى وجود ديون كبيرة لا زالت لم تسوى لتاريخه سواء مع الدول أو القطاع الخاص الأجنبي ومن أبرزها ديون دول الخليج وما تبقى من دول أخرى خارج نادي باريس والتي تقدر بحدود (30 مليار دولار حسب ما يراه الجانب العراقي) والتي تهدد موارد العراق الحالية إضافة إلى التزامات العراق بتسديد التعويضات لحرب الخليج الأولى والتي تصل إلى أكثر من عشرين مليار دولار، ليكون مجموع الالتزامات على العراق بحدود 46 مليار دولار على فرضية تسوية الديون المتبقية عدا الدين الداخلي والذي يقدر بـ 15 مليار دولار.
وفي حالة قبول العمل بهذا المشروع نرى أن يعاد إلى الحكومة لتشكيل لجنة من المختصين لإعادة دراسته بشكل دقيق ومعمق لوضع جميع الآليات والإجراءات التي أوردناها بالفقرة (رابعاً) أعلاه والأمور الأخرى لضمان دقة التعاقد وحسن التنفيذ وسرعة إنجاز المشاريع وضمان حقوق العراق.

  النائب        
باقر الزبيدي     
تحرير المقال
عن الكاتب
مقالات مشابهة

هناك تعليق واحد:

أو يمكنكم الإتصال بنا من خلال النموذج التالي

الاسم بريد إلكتروني* رسالة*

التعليقات

تعليقات الموقعفيس بوك