أسوار بغداد .. الحلقة 18 ،، حوار مع باقر الزبيدي


– اذكر انك طرحت ايام المعارضة العراقية فكرة «السلطة والادارة» في اطار النقاش السياسي الذي كان محتدما حول اي الانظمة التي ستحكم العراق بعد صدام حسين ..هل هنالك شيء تراه في الافق له علاقة بثنائية السلطة والادارة في العراق .؟
• في العشرينات من القرن الماضي تشكلت انظمة جديدة على انقاض الدولة العثمانية القديمة وتلك الانظمة بدأت تتشكل حسب وجهة النظر الاستعمارية التي حكمت تلك البلدان عشية نهاية الحرب العالمية الثانية 1939 -1945.
ففي الخليج تشكلت دول وامارات والعراق والاردن والمملكة العربية السعودية يتزعمها شيوخ عشائر عربية وابناء ملوك كما حدث في الاردن والعراق اما تركيا فقد اعلن فيها النظام الجمهوري وتولى مصطفى كمال اتاتورك رئاسة الدولة مابين 1928 – 1932 وهذه الدول عدا تركيا كانت تحت الانتداب البريطاني في حين كانت سوريا ولبنان تحت الوصاية الاستعمارية الفرنسية .
وعلى اثر تلك النشأة الجديدة بعد سايكس بيكو 1916 تشكلت انظمة ملكية وجمهورية من 1920 حتى قيام انظمة جمهورية قادها مجموعة من «الضباط الاحرار» في مصر والعراق وسوريا وليبيا.. في 14 تموز  كما حدث في العراق1958 .
وارى ان الاستعمار استمر يحكم بعض البلدان حتى بعد قيام ثورات الضباط الاحرار وبذلك بدأت تتبلور فكرة «السلطة والادارة» ففي النظام الملكي في العراق كانت السلطة وقوة القرار بيد الملك والادارة تناوب عليها مجموعة من خريجي مدارس الاستانة مثل نوري السعيد وجعفر العسكري و شخصيات وطنية اخرى وتبقى الادارة ادارة الشؤون الخاصة بتسيير الدولة .
اوضح مثال لنظام السلطة والادارة تمثل في نظام كمال اتاتورك ومن تبعه بعد ذلك في السياسة التركية .
– الا تعتقد ان هنالك نظرية مؤامرة تخفي نفسها في ثياب ضباط  تسلموا مقاليد السلطة في بلدانهم ..؟

• كلا .. انها الحقيقة ..ان الانظمة التي تحولت من ملكية الى جمهورية او من عثمانية الى جمهورية هي انظمة مرتبطة بالسياسة الدولية او من الدول التي منحت الاستقلال لهذه الدول يستثنى من ذلك الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم الذي قاد تحركا وطنيا وكذلك فان المتتبع للانظمة الجمهورية في العالم العربي يلحظ انها ادخلت شعوب تلك الدول في دوامة لا تنتهي من الثورات والهبات والجدل ووجود الاحزاب التقليدية كالشيوعي والقومي والبعثي والاسلامي ولذلك نعتقد ان هنالك العديد من الدول لم تشهد استقرارا طيلة فترة الـ60 سنة الماضية في ليبيا ومصر وسوريا والعراق في حين ان الانظمة الملكية شهدت استقرارا نسبيا عمر طويلا في السعودية وعموم دول مجلس التعاون الخليجي والاردن وبقيت الدول الثورية تدخل شعوبها بدوامة لا تنتهي من الازمات والحروب وتحريك عجلة الانقلابات العسكرية نظير  ماجرى في سوريا (90 انقلابا عسكريا ) وفي العراق (5 انقلابات عسكرية ) ناهيك عن استخدام الشعب العراقي وقودا لحروب عبثية تتطابق والمصالح الدولية مع ايران والكويت والحروب التي قادها النظام العراقي ضد الاكراد في الشمال والشيعة في الجنوب .

– نجد ان تلك الدول التي عاشت نظام السلطة والادارة لم تبن بناء حقيقيا لغاية كتابة هذه السطور .. كأنك تريد ان توصلني الى معلومة السفير الذي قال لك تم اختيار رؤساء الوزارة العراقية بعد9نيسان 2003 الى يومنا هذا بعناية . ؟
• انها قناعتي سواء قالها السفير ام لم يقلها .. واجزم ان البعض من رؤساء الوزارات العراقية كان تم اختياره بعناية لتدمير العراق كما قال هذا السفير وبالعودة الى المسألة التركية فأن تركيا لم تستقر على حكم ديمقراطي الا في العام 1996 حين تسنم نجم الدين اربكان رئاسة الوزراء في تركيا في العام 1996 حيث غادرت تركيا نظرية السلطة والادارة نحو النظام الديمقراطي الجمهوري وبدأ دور العسكر ينحسر لصالح السياسة المدنية .
ان باكستان تمثل نموذجا اخر واضحا لنظرية السلطة والادارة (السلطة بيد الجيش والادارة لمن يأتي عبر صناديق الاقتراع )حيث بقي الجيش يمتلك مفاتيح السلطة الى يومنا هذا بالرغم من وجود ادارات مدنية تم انتخابها عبر صناديق الاقتراع بشكل سري .
– هل يمكن ان تطلعني عن سر استخدام الدول الاستعمارية لهذا النوع من الانظمة ؟
• ان السر يكمن في محورين الاول اشغال الدول الاقليمية الكبرى بتغييرات دراماتيكية وانقلابات والسيطرة عليها بيد العسكر وهي تمسك بالصولجان ..كل ذلك من اجل عدم قيام دولة اقليمية كبرى تتحدى او تماحك اسرائيل والمحور الثاني هو استمرار المصالح الاستعمارية في المنطقة عبر التحكم بالاسعار والسياسات النفطية واقتصاديات تلك البلدان.
 وبرؤية اقتصادية نجد ان الدول الثورية باعت نفوطها باسعار مجزية لكن النتيجة كانت وبالا على شعوبها من خلال صرف تلك الواردات على شراء السلاح ودعم الفصائل الثورية المتناحرة في الثورة الفلسطينية واستخدام الاموال في تشتيت الرؤية القومية ازاء الصراع مع اسرائيل كما سارت دول خليجية على ذات النهج حين اوقفت مليارات الدولارات على شراء الاسلحة الشرقية والغربية وتمويل حملة داعش وجبهة النصرة والمعارضة السورية « المعتدلة» ومايسمى الجيش السوري الحر!. .
– هل ان ظهور الدولة الاقليمية الكبرى سيطول امده .. وهل يعني ذلك ان اسرائيل ستبقى دولة دون ان تماثلها دولة تماحك وتتحدى .؟
• ان دراسة النموذج الليبي في عهد العقيد الشاب معمر القذافي الذي حكم ليبيا اواسط الستينات وهو منبهر بالنموذج القومي الناصري تؤكد ان مثل هذه الانظمة وكذا نظام صدام حسين انظمة ممسوكة وليست انظمة  وطنية  متماسكة.
– ممسوكة من قبل من ..؟
• من قبل ذات المشروع الاستعماري الذي اسس ودعم وفتح الطريق امام مجموعة من الضباط والاحزاب العربية للقيام بانقلاب ثوري وشعارات قومية تستهدف الجيل العربي والبسطاء من الناس وما اكثرهم .! 
– ماهو سر قدرة الانظمة الملكية ومجلس التعاون الخليجي في توفير الاستقرار الاقتصادي والسياسي لمجتمعاتها وشعوبها في حين فشلت الانظمة الثورية والقومية في ايجاد هذا الاستقرار بل عاشت على التوتر وانهار الدم طيلة نصف قرن .؟
• ان نظرة فاحصة للدول التي عاشت تحت ظل نظام سلطوي (ثوري) تجد ان اغلبها هي دول كبيرة بشعوبها باقتصادها وبيئتها البشرية واي استقرار لهذه الدول يعني انبثاق دولة كبيرة قادرة على الانعتاق من اسار المشروع الاستعماري وبالتالي يصعب التحكم بادارتها ففرضت سياسات تدمير الوعي المجتمعي والسياسي لدى شعوب هذه الدول وانكفائها على تشكيلات داخلية وحروب تفصيلية على خلفيات طائفية وقومية كما جرى في العراق منذ عام 1963 عبر انقلاب عبد السلام الذي اعتقد انه جرى بالتعاون مع المشروع الانكلوامريكي ذاته وكذا كل الانظمة القومية الثورية مثل ليبيا وسوريا واليمن وان سر تدمير هذه الانظمة بعد الربيع العربي هو الذي اشرنا اليه في البداية عبر خلق مجتمعات منقسمة على نفسها وقابلة للتشظي اثر سياسات بالغت في تدمير الانسان العربي وافكاره وايصاله الى  الصفرعلى كافة المستويات.
وهنا لابد من التأشير على شخصيات سياسية بدأت تأخذ دورا في وراثة الانظمة الثورية عبر رفع الشعارات الطائفية والعنصرية لايصال تلك البلدان الى التشظي والتقسيم منعا لتشكيل دولة عربية كبرى تفرض نفسها في واقع المنطقة والعالم .
-ايران وتركيا استطاعتا بناء نموذج الدولة القادرة  …..
•ان السر في ذلك يكمن في ان هنالك ثقافة مجتمعية زاخرة وقيادة سياسية تمتلك القدرة والحكمة والرؤية في ادارة البلاد. 
– اود ان اسألك .. ماذا عن فكرة السلطة والادارة في الادارة الحالية في العراق ؟
•العراق نجح في التخلص من نظام السلطة لكنه بقي الى اليوم يعاني من ضعف في القيادات الادارية التي تحكم البلاد .
اليوم نعيش في ظل نظام ديمقراطي حقيقي وتجربة سياسية يمكن ان تاخذ بيد العراقيين وتنجح اذا ما توفر لها قيادة تمتلك الحكمة والقدرة والرؤية وتعالج الفساد وتبني الدولة وفق الدستور الذي صادق عليه العراقيون عام 2004 .
ان التدمير المجتمعي وعدم بناء الانسان ثقافيا وعسكريا وسياسيا وعدم وجود احزاب وسطية وغياب الثقافة الانتخابية التي تعلم مبدأ اختيار الاصلح والاكفأ والأنزه اوصلنا الى ضياع نصف الوطن ونصف الاقتصاد ونصف السلاح وعرضنا الى اقسى موجة ارهابية في التاريخ .. لان البعض اعتمد في اختيار المرشحين على التجهيل الطائفي والقومي والعنصري في المجتمع العراقي بكل اطيافه ومكوناته واذا لم نبادر الى اصلاح الخلل فان العراق متجه نحو المثال الليبي الذي بدأ الصراع فيه ينتقل من شارع الى اخر ومن قبيلة الى اخرى  .
تحرير المقال
عن الكاتب
مقالات مشابهة

ليست هناك تعليقات:

أو يمكنكم الإتصال بنا من خلال النموذج التالي

الاسم بريد إلكتروني* رسالة*

التعليقات

تعليقات الموقعفيس بوك