قصتي .. في وزارة الداخلية ( الحلقة 21 ) .. باقر جبر الزبيدي
بعد سلسلة النجاحات التي حققتها وزارتا الداخلية والدفاع في بناء الجيش والشرطة والتطلع لاهداف التخلص من الارهاب والنجاحات التي استطعنا
من خلالها طرد القاعدة من العاصمة ومحيطها وقدرتنا على اجراء انتخابات الجمعية الوطنية والتصويت على الدستور حيث نزل اكثر من 12 مليون مواطن عراقي لصناديق الاستفتاء استدارت السفارة الامريكية ممثلة بالسفير زلماي خليل زاد وممثلية الامم المتحدة ممثلة باشرف قاضي اسلامي (باكستاني) والاتصال ببعض الشخصيات المرتبطة بالقاعدة امثال الارهابي عبد النصر الجنابي ومن على شاكلته وهدف الاتصال ادخالهم العملية السياسية وهو واحد من اهم الاخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها السفارة الامريكية في بغداد!.
وعلى اثر رفضي ومعي الاخ وزير الدفاع  سعدون الدليمي بدأ الجدل والمماحكات وبدا السفير الامريكي يثير المشاكل ويعترض على طريقة ادارة الامن في العراق وكنت اشعر ساعتها ان القادة العسكريين الاميركان لايتفقون مع خطة زلماي في ادخال الارهابيين العملية السياسية لكنهم كانوا مغلوبين على امرهم وعندما اعلن السفير خليل زاد ان وزيري الداخلية والدفاع  يجب ان لايتكررا في وزارتيهما ابعادا لهما من اي منصب يمكن ان يتحركا من خلاله على ذات الهدف الذي تحرك عليه زلماي في اشارة الى وجود تيارين الاول يدعو الى تنظيف العملية السياسية من الارهاب وحواضنه وقياداته ورموزه والثاني يدعو بما اؤتي من نفوذ الى تخريب العملية السياسية واتذكر جيدا ان اجتماعا خاصا عقد بيني والدليمي من جانب وقائد القوات متعددة الجنسيات الجنرال كيسي وقد همس كيسي انه متخوف من عدم عودتكما الى الوزارة ومتخوف اكثر من النتائج التي سيؤول اليها الوضع الامني في حال عدم العودة الى الوزارة واشاد بالجهود الكبيرة التي تحققت في الوزارتين.
في هذه الفترة بدات اشعر ان جهودا داخلية وخارجية تبذل من اجل اعاقة النجاحات التي تحققت في الوزارتين على مستوى ضبط ايقاع الوضع الامني في البلد وقد حدث ماكنت اخشى منه على المستوى الامني العام وهو انفلات جزئي لكنه خطير قد يحصل وتنفذ المجموعات المسلحة من خلاله لتعزيز مواقعها التي خسرتها بعد سقوط النظام وقد حدث هذا بالفعل حين كنت استدعي كبار عتاة الارهابيين الى مكتبي الخاص للحوار معهم واخبرني احدهم لااتذكر اسمه وكان من الجنسية السعودية ان الموقف الامريكي بدا يتغير ازاء العملية السياسية وهو مالمسناه من تصريحات السفير خليل زاد!.
كنت اتوقع ان يجري (المنخفض الامني) منذ بداية 2006 في الساحة العراقية لكنني لم اكن اتوقع ان تهبط تلك الساحة ويقوى نفوذ الجماعات المسلحة بحيث يجري انتهاك حرمة الاماكن المقدسة كما جرى الامر بتفجير مرقد الامامين العسكريين عليهما السلام في سامراء بتاريخ 3/1/2006.
العملية جرت حين اقدم مجموعة من المسلحين بالتعاون مع خدمة المرقد المقدس وعملوا على مدى ساعات بتفخيخ القبة الشريفة والمقام من الداخل حيث كانت تجري عملية التفخيخ عندما يتم اغلاق المرقد الشريف بوجه الزوار ليلا حتى الصباح.
وفي صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 3/1/2006 تناهى الى سمعي تفجير المرقد المقدس فلم انتظر لحظة واحدة لسبيين الاول الاثار السلبية واولها الاثر الطائفي الذي سيتحرك من بين رماد التفجير ليعم الطائفتين الكريمتين الشيعة والسنة والسبب الثاني ميداني اذ لابد من الاطلاع العيني والواقعي والمباشر على العملية واشعار المواطن العراقي وملايين الشيعة والسنة في كل مكان باهمية الحدث الجلل واهمية الحفاظ على معمارية الوحدة الوطنية التي كانت مستهدفة قبل معمارية الامامين العسكريين.
قبل ان اتحرك الى الهدف اجريت اتصالين بزعيم الائتلاف الوطني السيد عبد العزيز الحكيم والثاني بمكتب رئيس مجلس الوزراء الدكتور ابراهيم الجعفري وقد احطتهما بالتفاصيل المتوفرة لدي ساعتها ازاء هذه العملية الارهابية الوحشية وابلغتهما قراري بالتوجه الى سامراء ورؤية الحدث واتخاذ مايلزم من اجراءات لمعالجة الاختلالات الناشئة من وراء هذا الحدث..في البعدين العاطفي والطائفي!.
في الاثناء هاتفني الجنرال مارتن ديمبسي مسؤول دعم القوات الامنية العراقية بالسلاح والعتاد وقال لي ..بلغنا انك ستتوجه الى مدينة سامراء للاطلاع على الحادث لكننا نخشى ان يحصل احتكاك بين حماياتك والمتظاهرين الذين ملؤا شوارع سامراء فاجبته انني مصر على الذهاب انطلاقا من مسؤوليتي الوطنية ولشعوري باهمية هذه الخطوة فعرض علي تقديم هليكوبتر تقلني الى المدينة فشكرته واكدت له انني كوزير داخلية العراق ومسؤول عن الامن افضل ان اذهب بالطريقة التي اراها مناسبة وهي الدخول الى المدينة ارضا وبموكب عراقي وليس بهليكوبتر امريكية.
ودخلت المدينة وذهبت مباشرة الى مقر قيادة الشرطة الوطنية وكان في استقبالي اللواء رشيد فليح وامراء الافواج وقائم مقام سامراء ومحافظ صلاح الدين وعدد من الشخصيات العشائرية ووجهاء المدينة وبعد دقائق قررت التحرك من مقر القيادة الى المرقد الشريف الا ان اللواء رشيد فليح طلب مني لاسباب امنية التريث بقرار الذهاب الى المرقد لحين توفير الحماية اللازمة فرفضت الاجراء وتحركت مباشرة حتى وصلت الامامين.
وقفت عند البوابة الخشبية الخارجية وانا الثم باب العسكريين فوقعت عيني مباشرة الى الجهة المتضررة من مرقد الامام فبكيت  لهول الجريمة وانا اردد قول الشريف الرضي ..
ولقد مررت على ديارهم..وطلولها بيد اليلى نهب
فوقفت حتى ضج من لغب..نضوي ولج بعذلها الركب
وتلفتت عيني فمذ خفيت ..تلك الطلول تلفت القلب!.
دخلت الفناء الفسيح لمقام الامامين ولاحظت الجماهير العراقية السامرائية حيث كانت تهتف بشعارات لم اكن اميزها حتى اقتربت منها وفي الوقت الذي حاولت حماياتي ابعادي عن الجماهير خوف حزام ناسف او متفجرة او اطلاق نار لكنني رفضت ذلك ومنعتهم وطلبت ان يتنحوا جانبا ويتركونني مع اهلي واخوتي فصرت اردد معهم نفس الهتاف.
التقيت وجهاء وشيوخ عشائر المدينة الذين تجمعوا في احدى غرف الصحن الشريف وبعد التحية عليهم بادروني انهم جمعوا كافة محتويات الحرم العسكري من ذهب وفضة وهدايا ومصوغات ومسكوكات واحتفظوا بها فقلت ليس المهم جمع المصوغات الذهبية بل المهم وحدة الكلمة واجتماعكم على حب العراق وطلبت منهم ان نخرج سوية لالقاء كلمة بالمتظاهرين فالقيت كلمة لازلت اتذكر مضمونها وانا اردد..هذا الوطن منبيعه اخوان سنة وشيعة فردد معي كل من كان في الصحن العسكري وغادرت المدينة وقد كسرت اجزاء مهمة من الفتنة الطائفية مودعا بعواطف السامرائيين الذين احتشدوا حول المرقد الشريف.
تحرير المقال
عن الكاتب
مقالات مشابهة

ليست هناك تعليقات:

أو يمكنكم الإتصال بنا من خلال النموذج التالي

الاسم بريد إلكتروني* رسالة*

التعليقات

تعليقات الموقعفيس بوك