هجرتي ( الحلقة 9 ) .. باقر الزبيدي
 بعد ان طرح السيد الحكيم مشروع النقاط الخمس عام 1992 ولقائه الرئيس حافظ الاسد واطراف المعارضة العراقية
في مختلف اتجاهات تلك المعارضة حدث ان جرى نقاش سياسي كبير حول استثمار هذا المشروع لانه اتى من طرف اسلامي اصولي متشدد ازاء الانفتاح على العامل الدولي بحكم الثوابت التي كان يتحرك في اطارها وبالمكان الذي كان يتواجد فيه والرؤية الفقهية والوطنية التي كانت سائدة في الساحة الاسلامية انذاك.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده السيد الحكيم وكنت الى جانبه عقب لقاءه الرئيس الاسد اطلق مبادرة على هامش النقاط الخمس شرح فيها منطلقات المجلس الاعلى ازاء الانفتاح على العامل الدولي والدول الغربية والقبول بالديموقراطية والتداول السلمي للسلطة والتفاوض مع الولايات المتحدة الامريكية باعتبارها الدولة المعنية الاولى الوحيدة بالملف العراقي.
ابلغني الدكتور احمد الجلبي بعد المؤتمر الصحفي انه زار الولايات المتحدة الامريكية والتقى شخصيات نافذة في الكونكرس الامريكي ابلغوه بارتياحهم الكامل والمطلق للمبادرة التي تحدث عنها السيد الحكيم في دمشق حيث تحدث بلغة حديثة عن الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة والاعتراف بالشريك الوطني ماازال الغبش عن صورة الرجل وموقف المجلس وقدم السيد الحكيم باعتباره راس حربة المشروع الوطني والرجل الذي يمكن التفاهم معه بالنيابة عن التيار الاسلامي وقوى المعارضة العراقية الاخرى ازاء مشروع الاطاحة بالنظام العراقي.
بعدها باشهر زارني في مكتبنا بدمشق مجموعة من الدبلوماسيين العرب والاجانب ومن بين من زارني السيد دوغلاص كرين السكرتير الاول في السفارة الامريكية في سوريا وحاول ان يفهم مني مدى قبولي فكرة زيارة الولايات المتحدة الامريكية واللقاء بوزارة الخارجية الامريكية بواشنطن في اطار (برنامج الاطلاع على الديموقراطية الامريكية) وهو برنامج تختار بموجبه الخارجية الامريكية مجموعة من الشخصيات السياسية التي تمثل 25 بلدا سنويا فوقع الاختيار علي لامثل بلدي في اطار هذا البرنامج.
اتصلت بقيادة المجلس الاعلى بطهران وشرحت لهم ابعاد الدعوة الامريكية واهدافها الاستراتيجية المهمة والواقعية وطلبت الموقف وبعد ايام جائتني الموافقة مشروطة في تحمل نتائج تلك الزيارة على المستوى الشخصي دون ان يتحمل المجلس اعباء تلك الزيارة ومن دون ان اصرح بموافقة القيادة السياسية على ذلك!.
كنت مستعدا لقبول التحدي لان المهمة  الموكلة لي والمتعلقة بالذهاب الى القمر لو قدر الذهاب اليه من اجل حماية الشعب العراقي اكبر من الخسارة الشخصية وكنت مثل الذي يتحرك في حقل الغام ليفتح الطريق لمن ياتي بعده ولايهم ان سقط في الطريق شهيدا لايماني ان تلك الطرق الصعبة لايفتح ممرا امنا فيها الا الاستشهاديون!.
وفي نهاية ايلول عام 1993 وجدت نفسي اتمشى في  احد شوارع العاصمة الامريكية واشنطن واجول في اسواقها ومعالمها الحضارية من لنكولن الى كلنتون!.
عدت الى الفندق واذا بموظف الاستعلامات يسلمني رسالة من الخارجية الامريكية تحدد لي مكان وموعد لقاء مفترض يجمعني مع كوكبة من 8 اسماء تمثل خلاصة المؤسسات في الادارة الامريكية.
في اليوم الثاني وفي تمام الساعة ال8 صباحا توجهت الى الخارجية الامريكية (المدخل الدبلوماسي) وبينما كنت اسال عن الشخص المكلف بمتابعة لقائي بالشخصيات الامريكية الثمانية فوجئت بوجود السفير نيومن مدير ادارة شمال الخليج (ايران والعراق) امامي يستقبلني.
الدبلوماسي الامريكي السيد نيومن التقيته بعد سقوط النظام العراقي في 9 نيسان 2003 في المنقطة الخضراء سفيرا ثان في السفارة الامريكية!.
اصطحبني نيومن الى الطابق ال8 من الخارجية الامريكية وهناك وجدت هذه المجموعة الدبلوماسية على طاولة مستطيلة بعد ان عرفني نيومن بتلك الشخصيات اتذكر منهم بروس رايدل من مستشارية الامن القومي الامريكي (البيت الابيض).
بدأ الحوار هادئا حول العراق وكنت انا المتحدث الرئيس في هذا الحوار وقد اجبتهم على كل الاسئلة المتعلقة بالعراق ورغم وجود مترجم فضلت التحدث باللغة الانكليزية مباشرة وقد استغرق اللقاء زهاء ال5 ساعات تخلله غداء (على الطريقة الاسلامية).
اهم النقاط التي تناولتها في اللقاء خطورة استمرار نهج الدكتاتورية وحاكمية الحزب الواحد على الحياة العراقية وغياب الديموقراطية وانتهاكات حقوق الانسان وخطأ الادارة الامريكية في السماح لصدام باستخدام الاسلحة الثقيلة والطائرات ابان انتفاضة اذار 1991.
قدمت شرحا مفصلا عن الاهوار العراقية والمذبحة الواسعة التي اقامها النظام في هذه المساحات الشاسعة من ارض العراق حيث تعادل مساحة لبنان مرتين..وقلت لهم مايلي وبالحرف الواحد ان الشارع العراقي على مرجل الغضب وعدد الضحايا بلغ مئات الالاف اضافة الى التاثيرات البنيوية للحروب المتكررة الداخلية والخارجية والحصارات وتاثيرها العمودي المباشر على الشعب العراقي واذا لم تساهم الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في دعم حركة الشعب العراقي وقواه الوطنية بمختلف اتجاهاتها وقومياتها فان ذلك ربما يخلق انفجارا مدويا يتعدى الامن القومي العراقي عميقا في الامن القومي العربي والاقليمي.
اشرت – على مااتذكر-  الى اهمية الجغرافية العراقية واثرها في  الامن الاستراتيجي والنفطي بشكل خاص في العالم فهي جزء منه وتعيش على ضفاف الدول النفطية وقلت لهم ان صدام حسين بنهجه الحالي يساهم في تدمير العالم وحبس الثروة النفطية عن الجميع ويدمر العراق ودوره في الجغرافيا الاقتصادية والسياسية في العالم.
ختمت شرحي المفصل بالطلب للمجموعة الامريكية هذه ايصال مطلب منع طائرات صدام من العدوان على الجنوب العراقي وخلق منطقة امنة مماثلة للمنطقة الامنة الكردية وقد قوبل هذا المطلب بالقول انهم سيرون المناسب والمطلوب ثم استمعت الى وجهات نظرهم التي انصبت بمجملها على رفضهم الدكتاتورية وعدم تكرار عدوان صدام حسين على اراضي الجنوب العراقية وعدم السماح له باستخدام الاسلحة الثقيلة وانهم سيدرسون مع القيادة الامريكية امكانية فرض منطقة امنة في الجنوب.
ودعت من قبل السفير نيومن كما استقبلت بحفاوة وتقدير والتحقت بالوفد العربي والاسيوي الذي يتكون من 25 شخصية سياسية وقضائية مرموقة.
عدت الى دمشق وفي اليوم التالي طلبت قيادة المجلس الاعلى مني التوجه الى طهران ووضعها في صورة الزيارة الامريكية.



تحرير المقال
عن الكاتب
مقالات مشابهة

ليست هناك تعليقات:

أو يمكنكم الإتصال بنا من خلال النموذج التالي

الاسم بريد إلكتروني* رسالة*

التعليقات

تعليقات الموقعفيس بوك