(العمامة السياسية)


 (العمامة السياسية)


هناك قضية إشكالية في واقعنا السياسي العراقي والشيعي تحديداً، حول الدور القيادي لما أِصطلح عليه (بالعمامة السياسية) التي تقف على رأس إتجاه سياسي معين، بما يجعل من صاحبها أحد أصحاب القرار في البلد، بما يملكه من مكون سياسي وميليشيا مسلحة ومكاتب إقتصادية وحصة في الدرجات الخاصة ورأي يجب ان يؤخذ به في السياسات العامة للدولة في شتى المجالات، ناهيك عن (الكوتا) التي يملكها في مجلس الوزراء بما لم ينص عليه الدستور الذي حصر الصلاحيات بالرئاسات الثلاث بعد ان أخضعها للرقابة البرلمانية، وهذا ما أثار جدلاً واسعاً في الساحة العراقية منذ سقوط نظام البعث إلى الآن حول دور تلك العمامة السياسية في ماوصلت إليه العملية السياسية من تدني وتراجع ومن نتائج سلبية إنعكست على مقدرات الوطن و حياة المواطن في كافة المستويات، وعن مدى شريعة تلك الصلاحيات والإمتيازات التي حصلت عليها على مدى السنوات المنصرمة.


وفي خضم ذلك الجدل والحراك الدائر يبرز هناك رأي يحاول ان يوجد مقاربة بين الحالة العراقية والإيرانية و يجد مبرراً أو مسوغاً لمشروعية وجود وديمومة العمامة السياسية وتحكمها بمقدرات الدولة ناسياً أو متناسياً الفوارق الشاسعة بين النظامين السياسيين في البلدين الجارين، وأولهما وبعجالة: ان نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو نظام إسلامي وفق القاعدة والمصطلح الدستوري أو هو نظام يحكمه الإسلام السياسي وفق التسمية المتداولة في الإعلام، فعلى إثر تصويت الشعب الإيراني في أول إنتخابات أجريت بعد إنتصار الثورة الإسلامية في 11 / 2 / 1979 وبأغلبية ساحقة على إختيار النظام الإسلامي من بين عدة خيارات أخرى عرضت عليه، و تم إجراء إنتخابات أخرى لإختيار الأشخاص الذين يدونون الدستور وكانوا من مختلف الإتجاهات السياسية والفكرية وقد نص الدستور الجديد الذي تم التصويت عليه أيضاً على إعتماد أحكام المذهب الشيعي الإمامي الأثني عشري في سن القوانين مع ضمان حقوق الطوائف الإسلامية الأخرى في مسائل الأحوال الشخصية وضمان حرية العبادة والمعتقد كما نص الدستور على إعتماد مبدأ ولاية الفقيه لقيادة الدولة وهو في هذه المادة يختلف عن الدستور الإيراني لعام 1905 والذي تم سنه على إثر الثورة الدستورية التي نشبت خلال تلك الفترة والذي ينص على تشكيل مجلس من خمسة مجتهدين إلى جانب المجلس النيابي يقوم بفلترة القوانين التي يصدرها ذلك المجلس النيابي ومدى مطابقتها أو مخالفتها للشريعة الإسلامية.


أما في الحالة العراقية فإبتداءاً يجب الإشارة إلى دور مرجعية النجف الذي هو إرشادي _ توجيهي وان مبدأ ولاية الفقيه أو الولاية المطلقة للفقيه لايعتقد به مراجع النجف لا في الماضي أو في الحاضر الا ماندر من الفقهاء إنما يعتقدون بالولاية المقيدة للفقيه فيما يصطلحون عليه بالأمور الحسبية  ورعاية مصالح المسلمين من قبيل ولاية الفقيه على من لا ولي له ورعاية القاصرين والأيتام وغيرها.


وهذا الإختلاف حول صلاحية الفقيه هو إختلاف فقهي صرف ولاعلاقة له بالشأن السياسي.


وفيما يتعلق بالدستور العراقي الذي سن عام 2005 وأقر بإستفتاء شعبي فهو بالمجمل دستور مدني، والنظام الذي إنبثق منه وقام عليه هو نظام سياسي من جنسه، مع ملاحظة النقاط التالية : وهي من نصوص تتعلق بالدين الإسلامي دين الأغلبية العظمى والشريعة الغراء وهي :


• ان الإسلام هو دين الدولة الرسمي.


• ان الشريعة الإسلامية أحد المصادر الرئيسية للتشريع.


• لا يجوز سَن أي قانون يتعارض والشريعة الإسلامية.


وهذه النصوص كانت موجودة نصاً أو مضموناً بكل الدساتير العراقية في العهدين الملكي والجمهوري وهي بنود منصوص عليها في دساتير الدول الإسلامية الموجودة في العالم والتي تضمها  منظمة التعاون الإسلامي.


لذلك فإن عدم ملاحظة الفرق بين النظامين ودستور البلدين(إيران والعراق) فيما يخص العمامة السياسية سيحجب الرؤيا عن المشهد العراقي تماماً وهنا لابد من الإشارة إلا ان الدستور العراقي لايمنع وصول حزب إسلامي إلى السلطة  لأن آلية الحكم تقوم على التداول السلمي للسلطة كما هو الحال في تركيا العلمانية وحتى في أوربا فإن هناك أحزاب مسيحية تحكم. 


أما مدى صدقية و واقعية ( وهذا يتعلق بتجربتنا في العراق) ذلك الحزب في تطبيق مشروعه أو برنامجه الإسلامي الذي ينادي به ان كان له مشروع من الأساس فهذا شيئ آخر وله حديث آخر.


وبالنسبة لعلماء الدين الأفاضل فإن الدستور والقانون المعمول به حالياً لايمنع من وصولهم إلى مجلس النواب وإلى المواقع الحكومية حسب إختصاصهم لأن الزيّ والصفة الخاصة ليست موانع قانونية أو شرعية، وهذا ليس له علاقة من قريب أو بعيد بحالة (العمامة السياسية) والدور الخطير الذي تلعبه في الساحة العراقية والذي ترفضه الحوزة في النجف الأشرف قبل غيرها حرصاً منها على العمامة لما لها من قدسية ومكانة سامية في النفوس وخشيةً من تأثرها بالنكسات التي يمكن ان تصيب المتعاطي بالشأن السياسي وبحورها المتلاطمة بالشبهات، والتي قد تلاحق السياسيين، مما ينعكس سلباً على الدين الحنيف الذي هو براء من زلات العباد وخطاياهم لذلك إذا كان الزج بالعمامة في الميادين السياسية وقيادة الدولة والمجتمع ضرورة في إيران فإن الزج بها في العراق ليس هو الحل.


 باقر الزبيدي

٧ شباط ٢٠٢١

تحرير المقال
عن الكاتب
مقالات مشابهة

ليست هناك تعليقات:

أو يمكنكم الإتصال بنا من خلال النموذج التالي

الاسم بريد إلكتروني* رسالة*

التعليقات

تعليقات الموقعفيس بوك